فصل: تفسير الآية رقم (115):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عاشور:

{وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (113) قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (114)}.
عطفت جملة {وجاء السحرة} على جملة: {قالوا أرجه وأخاه وأرْسلْ في المدائن حاشرين يأتوك بكل ساحر عليم} [الأعراف: 111، 112] وفي الكلام إيجاز حذف.
والتقدير: قالوا أرجه وأخاه وأرسل الخ، فأرسل فرعون في المدائن حاشرين فحشروا وجاء السحرة من المدائن فحضروا عند فرعون.
فالتعريف في قوله: {السحرة} تعريف العهد.
أي السحرة المذكورون، وكان حضور السحرة عند فرعون في اليوم الذي عينه موسى للقاء السحرة وهو المذكور في سورة طه.
وجملة: {قالوا إن لنا لأجرًا} استئناف بياني بتقدير سؤال من يسأل: ماذا صدر من السحرة حين مثُلوا بين يدي فرعون؟.
وقرأ نافع، وابن كثير، وحفص، وأبو جعفر {إن لنا لأجرًا} ابتداء بحرف أن دون همزة استفهام، وقرأه الباقون بهمزة استفهام قبل أن.
وعلى القراءتين فالمعنى على الاستفهام، كما هو ظاهر الجواب بـ {نعم}، وهمزة الاستفهام محذوفة تخفيفًا على القراءة الأولى، ويجوز أن يكون المعنى عليها أيضًا على الخبرية لأنهم وثقوا بحصول الأجر لهم، حتى صيروه في حيز المخبر به عن فرعون، ويكون جواب فرعون بـ {نعم} تقريرًا لما أخبروا به عنه.
وتنكير {أجرًا} تنكير تعظيم بقرينة مقام المَلِك وعظم العمل، وضمير {نحن} تأكيد لضمير {كنا} إشعارًا بجدارتهم بالغلَب، وثقتهم بأنهم أعلم الناس بالسحر، فأكدوا ضميرهم لزيادة تقرير مدلوله، وليس هو بضمير فصل إذ لا يقصد إرادة القصر، لأن إخبارهم عن أنفسهم بالغالبين يغني عن القصر، إذ يتعين أن المغلوب في زعمهم هو موسى عليه السلام.
وقول فرعون {نعم} إجابة عما استفهموا، أو تقرير لما توسموا: على الاحتمالين المذكورين في قوله: {إن لنا لأجرًا} آنفًا، فحرف {نعم} يقرر مضمون الكلام الذي يجاب به، فهو تصديق بعد الخبر، وإعلام بعد الاستفهام، بحصول الجانب المستفهم عنه، والمعنيان محتملان هنا على قراءة نافع ومن وافقه، وأما على قراءة غيرهم فيتعين المعنى الثاني.
وعُطف جملة: {إنكم لمن المقربين} على ما تضمنه حرف الجواب إذ التقدير: نعم لكم أجر وإنكم لمن المقربين، وليس هو من عطف التلقين: لأن التلقين إنما يعتبر في كلامين من متكلميْن لا من متكلم واحد. اهـ.

.قال الشعراوي:

{وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (113)}.
وقوله: {وَجَاءَ السحرة فِرْعَوْنَ} يدل على بطش الآمر، أي أنه ساعة قال الكلمة هُرع الجند بسرعة ليجمعوا السحرة. وقد ولغ بعض المستشرقين في هذه اللقطة أيضًا فتساءلوا: ولماذا جاء بقول مختلف في سورة أخرى حين قال: {إِنَّ لَنَا لأَجْرًا...} [الشعراء: 41].
لقد جاء بها بهمزة الاستفهام، وفي سورة الأعراف جاء من غير همزة الاستفهام، وهذه آية قرآنية، وتلك آية قرآنية. وأصحاب هذا القول يتناسون أن كل ساحر من سحرة فرعون قد انفعل انفعالًا أدى به مطلوبه؛ فالذي يستفهم من فرعون قال: أإن، والشجاع قال لفرعون: {أَإِنَّ لَنَا لأَجْرًا}. وفي القضية الاستفهامية لا يتحتم الأجر لأنه من الجائز أن يرد الفرعون قائلا: أنْ لا أجر لكم، ولكن في القضية الخبرية {إن لنا لأجرًا} أي أن بعض السحرة قد حكموا بضرورة وجود الأجر، وقد غطى القرآن هذا الاستفهام، وهذا الخبر.
وتأتي إجابة فرعون على طلب السحرة للأجر: {قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ المقربين...}.
و{نعم} حرف جواب قائمة مقام جملة هي: لكم أجر، وأضاف أيضًا: {وَإِنَّكُمْ لَمِنَ المقربين}.
وهذا دليل على أنه ينافقهم أو يبالغ في مجاملتهم؛ لأنه يحتاج إليهم أشد الحاجة. وهكذا نجد ألوهية فرعون قد خارت أمام المألوهين السحرة. وقوله: {لَمِنَ المقربين} هذه تدل على فساد الحكم؛ لأنه مادام حاكمًا فعليه أن يكون كل المحكومين بالنسبة إليه سواء. لكن إذا ما كان هناك مقربون فالدائرة الأولى منهم تنهب على قدر قربها، والدائرة الثانية تنهب أيضًا، وكذلك الثالثة والرابعة فتجد كل الدوائر تمارس فسادها مادام الناس مصنفين عند الحاكم.
ولذلك كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ما جلس الصحابة يستمعون إليه كان يسوّي الناس جميعًا في نظره حتى يظن كل إنسان أنه أولى بنظر رسول الله، ولا يدنى أحدًا أو يقربه من مجلسه إلا من شهد له الجميع بأنه مقرب. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

قال في ملاك التأويل:
قوله تعالى في سورة الأعراف: {وجاء السحرة فرعون قالوا إن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين قال نعم وإنكم لمن المقربين} وفى الشعراء: {فلما جاء السحرة قالوا لفرعون أئن لنا لأجر إن كنا نحن الغالبين قال نعم وإنكم إذا لمن المقربين} فيسأل عن زيادة {إذا} في سورة الشعراء وسقوطها في سورة الأعراف؟ وتحرير الأعراف في قوله: {وجاء السحرة فرعون قالوا} بخلاف الوارد في سورة الشعراء من قوله: {فلما جاء السحرة فرعون قالوا لفرعون أئن لنا لأجرا}؟
والجواب عن الأول: أن {إذا} تقع جوابا وجزاء والمعنى في السورتين مقصود به الجزاء فوقع الاكتفاء في الأعراف بقوله تعالى: {نعم} والمعنى: نعم لكم ما أردتم من الأجر وزيادة التقريب والحظوة ولا شك ان المعنى: إن غلبتم فلكم ذلك فالمعنى على ذلك ثم ورد في سورة الشعراء مفصحا بالأداة المحرزة له وهى {إذا} ليناسب بزيادتها ما مضت عليه- أي هذه السورة- من الاستيفاء والإطناب كما تقدم وناسب سقوطها في الأعراف مقصود الإيجاز في هذه القصة وقد مر هذا وعلى ذلك جرى الوارد من قوله في الأعراف: {وجاء السحرة فرعون قالوا} ويجرى في مثل هذا كثيرا عطفه بالفاء مناسبا لما يقصد في الكلام من الارتباط أو بالواو تحكيما للاشتراك كقوله [..........] ونظير الآية في سقوط حرف التشريك: {وجاؤوا أباهم عشاءا يبكون قالوا يأبانا} ومجرى الإعراب في الآية أن يكون قوله: {قالوا} مقدرا لاستئناف كأن قد قال قائل: لما قال: {وجاء السحرة فرعون} قيل فما فعلوا أو ما قالوا فجووب بهذا المقدر بقوله: {قالوا أئن لنا لأجرا} وهذا الضرب كثير فصيح وموجود حيث يقصد بالإجاز كهذه الآية وأما الوارد في الشعراء من قوله: {فلما جاء السحرة قالوا} فوارد على مالا يحتاج فيه إلى تقدير وعلى ما هو الأصل في تركيب مثله من الكلام ومناسب للاطناب المبنى عليه ما قبل الآية وكل على ما يجب والله أعلم. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
في قوله: {إِنَّ لَنَا لأَجْرًا} وجهان:
أظهرهما: أنَّهَا لا محلَّ لها من الإعْرَاب؛ لأنَّها استئناف جواب لسؤال مقدر، ولذلك لم تعطف بالفاء على ما قبلها.
قال الزمخشريُّ: فإن قلت: هلا قيل: {وجاءَ السَّحرةُ فرعون فقالوا}.
قلت: هو على تقدير سائل سأل: ما قالوا إذ جاءوه؟ فأجيب بقوله قالوا: {أإن لنا لأجرًا} وهذا قد سبقه إليه الواحديُّ إلاَّ أنه قال: ولم يقل فقالوا لأنَّ المعنى لما جاءوا قالوا فلم يصحَّ دخول الفاء على هذه الوَجْهِ.
والوجه الثاني: أنَّهَا في محلِّ نَصْبٍ على الحال من فاعل جاءُوا قاله الحوفي.
وقرأ نَافِعٌ وابن كثير وحفصٌ عن عاصم {إنَّ} بهمزة واحدة بكسر الألف على الخبر والباقُونَ بهمزتين على الاستفهام.
وهم على أصولهم من التحقيق والتسهيل وإدخال ألفٍ بينهما وعدمه.
فقراءة الحَرَميِّيْن على الإخبار، وجوَّز الفارسيُّ أن تكون على نيَّةِ الاستفهامِ يدلُّ عليه قراءة البقاين.
قال الواحديُّ: الاستفهام أحْسَنُ في هذا الموضع؛ لأنَّهُم أرادوا أن يعلموا هل لهم أجر أم لا، ولا يقطعون على أن لهم الأجر، ويقوي ذلك إجماعهم في سورة الشعراء على الاستفهام.
وحجَّةُ نافع وابن كثير أنَّهُما أرادا همزة الاستفهام، ولكنهما حذفا ذلك من اللَّفْظِ، وإن كانت باقية في المعنى كقوله تعالى: {وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ} [الشعراء: 2] وقول الشاعر: [المنسرح]
أفْرَحُ أنْ أرْزَأ الكِرَامَ وَأنْ

وقول الآخر: [الطويل]
-................. ** وَذُو الشَّيْبِ يَلْعَبُ

وكقوله: {هذا رَبِّي} [الأنعام: 76] التقدير: أهذا ربي؟ وقد تقدَّم تحقيق هذا، وأنَّهُ مذهب أبي الحسن ونكر {أجرًا} للتعظيم.
قال الزَّمخشريُّ: كقول العربِ: إنَّ له لإبلًا وإن له لغنمًا يقصدون الكثرة.
قوله: {إنْ كُنَّا} شرط جوابه محذوفٌ للدِّلأالة عليه عند الجمهور، أو ما تقدَّم عند من يجيز تقديم جواب الشَّرْط عليه.
و{نَحْنُ} يجوز فيه أن يكون تأكيدًا للضَّمير المرفوع، وأن يكون فصلًا فلا محل له عند البصريين، ومحله الرَّفع عند الكسائيِّ، والنَّصب عند الفرَّاء.
فإن قيل: قوله: {وإنكم لمن المقربين} معطوف على ماذا؟
فالجوابُ أنَّهُ معطوف على محذوف، وهو الجملة التي نابت {نعم} عنها في الجاوب إذا التقديرُ: قال: نعم إنَّ لكم لأجرًا وإنكم لمن المقربين، أي: إني لا أقصركم على الثَّواب، بل أزيدكم عليه بأن أجعلكم من المقرّبين عندي.
قال المتكلمون: وهذا يدلُّ على أنَّ الثواب إنَّما يَعظم موقعه إذا كان مقرونًا بالتعظيم. اهـ.

.تفسير الآية رقم (115):

قوله تعالى: {قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ (115)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما فرغوا من محاورته، تشوف السامع إلى قولهم لموسى عليه السلام، فاستأنف قوله جوابًا: {قالوا} بادئين باسمه {يا موسى} مخيرين له أدبًا معه كما هي عادة عقلاء الأخصام قبل وقوع الخصام في سياق مفهم أن قصدهم الإلقاء أولًا، وذلك قولهم: {إما أن تلقي} أي أنت أولًا ما تريد أن تلقيه للمغالبة في إظهار صحة دعواك {وإما أن نكون نحن} أي خاصة {الملقين} أي لما معنا أولًا. اهـ.